شدّد الرئيس الشرفي للجمعيّة التونسيّة للثقافة الماليّة، أحمد كرم على ضرورة أن " تعجّل الحكومة بتوضيح رؤيتها الإقتصادية حتى تتمكن المنظومة البنكية والماليّة من أداء دورها في إعادة إنعاش الاقتصاد الوطني".
وأوضح كرم في تصريح أدلى به لـ"وات"، أنّ البنوك والمؤسّسات الماليّة والمتعاملين الإقتصاديين يعانون اليوم من "الغموض الذي آلت إليه البلاد بسبب الأزمة السياسيّة"، مفسّرا هذا الغموض بغياب إستراتجيّة عمل مستقبليّة دقيقة المحاور لفترة ما بعد كوفيد-19 وبعدم طرح مقاربات مجددة لإعداد مستقبل الاقتصاد الوطني".
وتابع في حديثه في إطار ندوة تنظّمها الجمعيّة التونسيّة للثقافة الماليّة بالتعاون مع الجمعيّة التونسيّة للبنوك والجامعة التونسية لشركات التأمين من 26 إلى 28 مارس بالحمّامات بشأن "التحديّات الجديدة للمؤسسة التونسيّة بعد كوفيد-19"، "من الغريب أنّ لا يعلم أي كان اليوم هل أنّ تونس ستوقّع إتفاقا مع صندوق النقد الدولي أم لا وما سيتضمنه الإتفاق من إصلاحات وهل هذه الاصلاحات الممكنة محل إتفاق أم لا".
وأضاف "لا توجد اليوم أي معلومة دقيقة هل أنّ الحكومة ستقدّم قانون ماليّة تكميلي أو حول الإجراءات التّي سيتضمنها هذا القانون".
وأكّد أن هذا الغموض لا يطمئن البنوك ولا المتعاملين الإقتصاديين ولا المموّلين الدوليين، وهو ما ألقى بالبلاد في حالة "إنتظار طالت مدّتها"، ممّا أدى إلى تراجع الاستثمار والإدخار.
ودعا كرم في هذا السياق، الفاعلين السياسيين إلى تجاوز "الخلافات السياسية الصبيانية والتعجيل بإيجاد مخرج حتّى يكون الحل السياسي منطلقا لإعادة إنعاش الاقتصاد الوطني وتحفيز المنظومة البنكية والمالية على تمويل النمو الإقتصادي، خاصة وأن هذه المنظومة في حاجة إلى الإستقرار وإلى رؤية مستقبلية واضحة وإلى إعادة الثقة في البلاد".
وكشف الرئيس الشرفي للجمعيّة التونسيّة للثقافة الماليّة أنّ نحو 17 مليار دينار يتمّ تداولها سنويّا خارج المنظومة البنكية، ممّا يقيم الدليل على العجز عن إيجاد حلول لإعادة هذه الأموال إلى المسار البنكي والمالي ويؤكّد الحاجة الملحّة إلى إيجاد آليات لإدماجها في هذه المنظومة لتتمكن من إعادة ضخّها في الاقتصاد الوطني.
وبيّن ضرورة إيجاد الآليّات التشريعيّة المحفّزة على الإقبال على القطاع المنظّم وجعله نقطة جذب لنحو 1.5 مليون تونسي ينشطون في إطار الاقتصاد الموازي "وجدوا أنفسهم مجبرين على العمل في هذا الاطار بسبب القوانين المحاسبية المنفرة وكثرة الإجراءات الادارية وتعقدها وتكلسها".
وأبرز كرم أنّ المنظومة البنكية مدعوّة اليوم وخاصة في ظل إنعكاسات جائحة كوفيد 19 إلى التعجيل بالإعداد لبناء "بنك الغد" الذي يتطلب من البنوك رفع جملة من التحديّات التّي لا مفر منها ومن أبرزها إرساء البنك المواطني والرقمنة البنكية وتوفير مقوّمات الصلابة البنكية.
وإعتبر أنّ من شأن "البنك المواطني" الإقتراب أكثر من المواطن بما من شأنه أن يسهم في تحقيق أهداف التنمية بإعتماده الحوكمة الرشيدة ومقاومة الفساد وإرساء العدالة بين الجنسين والذي سيتوجه نحو تمويل مشاريع "الإقتصاد الأخضر" في إطار التفاعل الايجابي مع متطلبات مجابهة التغيرات المناخية ومقاومة الإحتباس الحراري وتمويل مشاريع الطاقات المتجددة، خاصّة وأنّ تونس تسعى إلى إعتماد الطاقات المتجدّدة بنسبة 30 بالمائة من إجمالي الطّاقات المعتمدة لتوليد الكهرباء في أفق سنة 2030.
وشدد على ضرورة التعجيل بإرساء الرقمنة البنكية خاصة وأنها آلية لتيسير "الإدماج المالي" خاصة وأن نحو 40 بالمائة من التونسيين ليس لديهم حساب بنكي.
وتابع أن الرقمنة البنكية رافد لتعزيز القدرة التنافسية لبنوك الغد في ظل تسارع التكنولوجيات الرقمية وآخرها الجيل الخامس للاتصالات وإمكانية ظهور منافسين جدد للبنوك التقليدية على غرار البنوك على الخط أو المؤسسات المالية التي تطلقها كبرى المؤسسات التكنولوجية القادرة على إقتراح حلول مالية مجددة أو مزودي خدمات الإتصالات القادرة على النفاذ إلى الخدمات المالية.
ولاحظ ضرورة الأخذ في الإعتبار بمبدأ الصلابة وتعزيز قدرات البنوك على التعاطي مع الطوارئ والمتغيّرات والقدرة على حماية الحرفاء ومرافقتهم.
وذكّر في هذا الصدد بأن إختبار الضغط (ستراس تاست) الذي أنجزه البنك المركزي للبنوك التونسية في نوفمبر 2020، أفرز نتائج إيجابية تبرز قدرة هذه الأخيرة على الصمود أمام جائحة كورونا وتبعاتها.