واجهت الحكومات الأوروبية زيادة في حالات الإصابة الجديدة بفيروس كوفيد-19 خلال موسم الشتاء الماضي، وذلك بسبب ظهور سلالات سريعة العدوى من الفيروس ونظراً لبرودة الطقس التي تجعل الأشخاص يفضلون البقاء في الأماكن المغلقة. وكانت الأدوات الوحيدة المتاحة لإدارة الوضع في ذلك الوقت هي عمليات الإغلاق الصارمة وإجراءات التباعد الاجتماعي. ولكن حظر التجمعات خلال موسم الأعياد استُهجن من قبل الكثيرين، ولذلك تحرص الحكومات على تجنب إعادة فرض عمليات إغلاق صارمة في موسم الشتاء الحالي. لحسن الحظ، أصبح لدى الحكومات الآن أداة قوية للسيطرة على الجائحة بعد أن تم اعتماد لقاحات فعّالة.
بعد بداية بطيئة، انخرطت دول الاتحاد الأوروبي في برامج تطعيم بلغت أقصى سرعة لها في الربع الثاني من عام 2021. وقد ساعد ذلك في تقليل حالات الإصابة الجديدة بكوفيد-19 إلى مستوى منخفض للغاية في شهر يونيو من العام الحالي، وسمح لدول الاتحاد الأوروبي بالبدء في تخفيف التدابير الاحترازية مع ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف.
لسوء الحظ، ارتفع عدد حالات الإصابة منذ نهاية سبتمبر. وشهدت دول شمال أوروبا أكبر زيادة في الحالات، على رأسها النمسا وبلجيكا وألمانيا وإيرلندا وهولندا وبولندا. سنشرح في تقريرنا لهذا الأسبوع كيف أن التساهل بشأن التطعيم والإغلاق جعل الدول "الست المتساهلة" تعاني من ارتفاع أكبر في عدد الحالات بالمقارنة مع بقية دول الاتحاد الأوروبي (الرسم البياني 1).
أولاً، على الرغم من التقدم الأولي السريع، تباطأ معدل التطعيم في الدول "الست المتساهلة" بشكل حاد في بداية سبتمبر وبقدر أكبر من بقية دول الاتحاد الأوروبي (الرسم البياني 2). وفي حين أوصت وكالة الصحة العامة في الاتحاد الأوروبي بتسريع طرح الجرعات "المعززة" الثالثة، كان طرح هذه الجرعات في الدول "الست المتساهلة" أبطأ بالمقارنة مع بقية دول الاتحاد. علاوة على ذلك، تم تطعيم عدد أكبر من الأطفال في بقية دول الاتحاد الأوروبي مقارنة بالدول "الست المتساهلة". على سبيل المثال، تم تطعيم معظم الأطفال في الدنمارك وإسبانيا بجرعة واحدة على الأقل، في حين لا تزال ألمانيا متأخرة في هذا الجانب. ومؤخراً، فرضت الحكومات في إيطاليا وفرنسا إلزامية التطعيم على مجموعات معينة من العاملين، لكن الدول "الست المتساهلة" لم تتخذ خطوات مماثلة إلا مؤخراً فقط.
الرسم البياني 2: مستويات التطعيم
(إجمالي اللقاحات لكل مائة نسمة)
ونظراً لهذا التساهل والتردد بشأن إعطاء غير المطعمين الجرعة الأولى، وإقناع الأشخاص بأخذ جرعة ثانية، واعتماد جرعات ثالثة "معززة" للأشخاص الأكثر عرضة للخطر، وتطعيم الأطفال، أصبحت الدول "الست المتساهلة" أكثر عرضة لتزايد الحالات الجديدة في فصل الشتاء الحالي.
ثانياً، نرى أيضاً اختلافاً ملحوظاً في مدى صرامة عمليات الإغلاق منذ نهاية شهر أغسطس، حيث عمدت الدول "الست المتساهلة" إلى تخفيف القيود على الرغم من مخاطر تزايد الحالات خلال موسم الشتاء، بينما قامت بقية دول الاتحاد الأوروبي فعلياً بتشديد القيود (الرسم البياني 3). على سبيل المثال، خففت النمسا معظم تدابير الإغلاق لدعم التعافي الاقتصادي في الفترة بين سبتمبر ومطلع نوفمبر، كما أزالت بلجيكا بسرعة التدابير الاحترازية. ويساعد هذا التساهل بشأن القيود، إلى جانب مقاومة سكان هذه الدول لتلقي التطعيمات، على تفسير الارتفاع الحاد في حالات الإصابة في البلدان "الست المتساهلة" خلال فصل الشتاء الحالي.
1) يُعد مؤشر أوكسفورد لتتبع صرامة استجابة الحكومات لفيروس كورونا مقياساً مستخدماً على نطاق واسع لقياس مدى انتشار عمليات الإغلاق. وهو مقياس مركب لتتبع استجابات الحكومات عبر: إغلاق المدارس، وإغلاق أماكن العمل، وإلغاء الأحداث العامة، وفرض القيود على التجمعات العامة، وإغلاق وسائل النقل العام، ومتطلبات البقاء في المنزل، والحملات الإعلامية العامة، والقيود على التحركات الداخلية، والضوابط على السفر الدولي.
المصادر: عالمنا في البيانات كما في 12 ديسمبر، تحليلات QNB
بسبب الارتفاع المفاجئ في حالات الإصابة بكوفيد-19، اضطرت الحكومات في الدول "الست المتساهلة" إلى تشديد القيود بشكل حاد (الرسم البياني 3). ودخلت النمسا في إغلاق كامل في 22 نوفمبر وهي تعمل على فرض إلزامية التطعيم اعتباراً من 1 فبراير 2022. وبدأت ألمانيا في حصر الوصول إلى الخدمات غير الأساسية (بما في ذلك المسارح ودور السينما والمطاعم) على العملاء المطعمين فقط. كما قامت بلجيكا وهولندا أيضاً بفرض إغلاقات جزئية. وقامت بولندا بتشديد القيود الاحترازية من خلال إعادة فرض سعة استيعابية قصوى على الخدمات غير الأساسية. وأدى تشديد القيود إلى تخفيض عدد حالات الإصابة، ولذلك أصبح لدى الدول الآن حيز إضافي للمناورة وبات بمقدورها التركيز فقط على فرض التدابير الأكثر فعالية.
وستؤثر هذه القيود الصارمة بشكل مباشر على النشاط الاقتصادي خلال الأشهر القليلة المقبلة. وسيكون التأثير أكبر على قطاع الخدمات في البلدان "الست المتساهلة" حيث سيتم تقييد زيارات الأماكن الترفيهية والثقافية بشكل كبير أثناء فرض القيود وعمليات الإغلاق. ومع ذلك، قد يمتد التأثير إلى بقية الاتحاد الأوروبي لأن هذه الاقتصادات مترابطة ومتكاملة بشكل وثيق. لذلك نتوقع أن يكون النمو الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي أضعف من نسبة 5.1% التي توقعها صندوق النقد الدولي في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أكتوبر. ونتوقع أيضاً أن يكون هناك نمط مشابه في قارة أمريكا الشمالية، وتحديداً في الولايات الأمريكية التي لديها أدنى مستويات تطعيم وأكثر قيود مخففة، فهي تشهد أيضاً زيادة في عدد الإصابات بكوفيد-19، وهو ما سيجبرها في نهاية المطاف على تشديد القيود.