اننا نعيش اليوم في عالم يواجه أزمة بيئية ثلاثية، تتمظهر يوما بعد يوم من خلال التأثيرات المتزايدة للتغيرات المناخية، وفقدان التنوع البيولوجي، وتفاقم التلوث بجميع أشكاله، بما في ذلك التلوث الناتج عن البلاستيك، مما يؤثر سلبا على كل الدول وجودة الحياة بها.
كلنا نعلم ان تونس ليست بمعزل عن هذه الظواهر ونحن مدركون تمامًا للتحديات التي نواجهها وضرورة اتخاذ إجراءات عملية لحماية بيئتنا. من واجبنا جميعًا، كل من موقعه وعلى قدر مسؤوليته، مواجهة هذه الاشكاليات والعمل على بناء حاضر ومستقبل مستدامين للأجيال الحالية أو القادمة.
في هذا السياق، تحتفل تونس اليوم 5 جوان 2024، على غرار باقي دول العالم، باليوم الوطني والعالمي للبيئة، تحت شعار.
"اصلاح الأراضي ومكافحة التصحر والقدرة على التكيف مع الجفاف"
وانا انتهز هذه الفرصة لتذكير الجميع بالتقدم الذي احرزته تونس في مجال مكافحة آثار التغيرات المناخية، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث، بهدف تعزيز وترسيخ مبادئ التنمية المستدامة حيث حرصت الحكومة على اعتماد سياسات جريئة في هذا المجال عبر المصادقة في 3 فيفري 2023 على الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي (SNTE) بحلول عام 2035/50، التي اعدتها وزارة البيئة بناء على مقاربة تشاركية ،و بدعم من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وقد استندت هذه الاستراتيجية على رؤية شاملة تهدف إلى تحقيق" الرفاه المادي واللامادي للأجيال الحالية والقادمة في اطار تنمية اقتصادية واجتماعية عادلة وشاملة ذات قدرة على الصمود إزاء الازمات والكوارث".
ولتحقيق هذا الهدف الشامل، ارتكزت الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي على خمس محاور رئيسية تتضمن 53 اجراءا عمليا مع تبني الرقمنة كإجراء افقي لضمان تطبيق وتجسيم بقية الإجراءات من قبل كل الأطراف والقطاعات المعنية.
وتفعيلا لكافة الإجراءات المنبثقة عن هذه الاستراتيجية, تم إرساء الية وزارية مشتركة للنشر والمتابعة تتمثل في الشبكة الوزارية للانتقال الايكولوجي يوم 29 سبتمبر 2023 وتواصلت اعمالها يومي 20 و21 نوفمبر 2023 بمركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة من خلال دورة تكوينية لفائدة حوالي 20 اطارا من كافة الوزارات. كما تعمل الشبكة منذ 3 جوان 2024 على الاستعداد لتنظيم الدورة الثانية للأسس الوطنية للانتقال الايكولوجي المزمع عقدها يوم 28 جوان 2024، وكلكم بطبيعة الحال مدعوون للمشاركة والحضور،
اما فيما يتعلق بالموضوع الذي تم اختياره هذه السنة بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للبيئة "اصلاح الأراضي ومكافحة التصحر والقدرة على التكيف مع الجفاف" فهو يندرج أساسا ضمن المحور الثالث للاستراتيجية الوطنية للانتقال الإيكولوجي " الإدارة المستدامة للموارد والنظم الايكولوجية " والذي يضم الإجراءات من 20 الى 29،حيث تمثل راس المال الطبيعي للتنمية ,لذلك فان حمايتها واصلاحها لفائدة الأجيال القادمة تمثل جزءا هاما من مجهود الدولة في دعم الاستثمار.اما مجالات التدخل فتهم أساسا الحث على تركيز فلاحة مستدامة وصامدة بهدف ضمان الامن الغذائي والادماج الاجتماعي وديمومة عناصر رأس المال الطبيعي التربة الماء الغابة والنظم الايكولوجية.
حيث تم هذه السنة (2024) الاحتفال بالذكرى 60 للسيادة الفلاحية وباليوم الفلاحي الذي تم تنظيمه تحت شعار "فلاحة مستدامة وصامدة" وقد تم عرض المنتوجات البيولوجية لعدد من الشبان الناشطين في المجال الفلاحي بكافة مناطق الجمهورية تتضمن معارف تقليدية ونباتات طبية وتجارب ناجحة في الفلاحة الايكولوجية والفلاحة البيولوجية أو الفلاحة المستدامة.
بالإضافة إلى ذلك تم إبراز المسائل المتعلقة بحماية وإصلاح وتجديد النظم الايكولوجية منها البرية والبحرية وكذلك التنوع البيولوجي ضد كل أشكال الازعاجات والتهديدات على غرار التغيرات المناخية والأصناف الخارجية الغازية والعمل على تثمينها مثل السلطعون الأزرق بصفاقس وقرقنة فضلا عن مكافحة التصحر وتدهور الأراضي,
هذا المحور يتضمن عشرة إجراءات موزعة كالتالي:
الاجراء عدد 20:
مواصلة برنامج الاقتصاد في الماء بما في ذلك النهوض بمنظومات الري والخزن المنزلي والإداري لمياه الامطار وإعادة إستعمال المياه المستعملة المعالجة.
ولعل الاستراتيجية الوطنية للمياه 2050 التي أشرفت على إعدادها وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري تندرج في هذا التوجه.
الاجراء عدد 21:
يتمثل في تثمين الموارد المائية الغير تقليدية وبالخصوص المياه المستعملة والمعالجة خاصة في مجال الري الفلاحي او المجال الصناعي وتطوير النظم ذات العلاقة.
وبالنظر الى الوضع الحالي الذي يشهد تناميا للمخاطر الناجمة عن الشح المائي فان تثمين المياه المعالجة وإعادة استعمالها لأغراض تنموية أخرى (فلاحة، صناعة، تغذية الموائد....) تعتبر من بين أولويات الوزارة،
وفي سياق متصل , تولت الوزارة بين سنتي 2023 و2024 افتتاح محطة بنت سعيدان من ولاية زغوان لمعالجة المياه مع تدشين ثلاث محطات تطهير بكل من كندار، المحرس ومجاز الباب ومتابعة تقدم انجاز اشغال محطات التطهير بكل من الخليدية. ودعم برنامج التطهير بالأحياء الشعبية والمدن المتوسطة والصغرى, كما تم امضاء اتفاقية بتاريخ 11 أكتوبر 2022 حول تثمين المياه المعالجة بمحطة التطهير بتاكلسة بضيعة بدار التابعة لديوان الأراضي الدولية لإنتاج الأعلاف بالإضافة الى توقيع اتفاقية قرض بتارخ 31 جانفي 2024 بقيمة 81,9 مليون أورو، أي حوالي 276 مليون دينار، مع البنك الإفريقي للتنمية، يتعلق بتنفيذ مشروع تحسين جودة المياه المعالجة لاستغلالها في مجال الحد من تأثيرات الشح المائي.
يتعلق هذا المشروع بتهذيب وتوسعة 19 محطة تطهير وتزويدها بالمعالجة الثلاثية
الاجراء عدد 22:
تحيين الخارطة الفلاحية اخذا بعين الاعتبار للمناطق الحساسة التي يستوجب حمايتها مع ادراج الفلاحة الغابية والفلاحة الايكولوجية,
الاجراء عدد 23:
اعداد خطة عمل لتقليص استعمال المبيدات الكيميائية في القطاع الفلاحي والتخلص من المواد الخطرة والمبيدات المنتهية الصلوحية التي تهدد الصحة العامة، مع تسريع الأنشطة الهادفة الى تقليص الملوثات العضوية الثابتة
الاجراء عدد 24:
تجسيم الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي وخطة عملها لحماية التنوع البيولوجي 2018-2030 بما في ذلك إجراءات المحافظة على تكاثر الموروث الجيني الوطني.
الاجراء عدد 25:
تبني وتنفيذ استراتيجية الاقتصاد الأزرق سيما وان الإجراءات المصاحبة تهم عدة أطراف وقطاعات (سياحة، صيد بحري، نقل),
في هذا الصدد، اعدت الحكومة التونسية خارطة طريق تتعلق بتطوير الاقتصاد الأزرق مع استراتيجية حول الحد من التلوث الناتج عن البلاستيك تحت عنوان" شواطئ دون بلاستيك". والتي تعتبر نتاجا لمجهود تشاركي بين وزارة البيئة وبقية الأطراف المعنية، كما تم تقديم خارطة الطريق المتعلقة بالاقتصاد الأزرق واستراتيجية الحد من التلوث الناتج عن البلاستيك والتعريف بهما يوم 27 ماي 2024.
الاجراء عدد 26:
إطلاق برنامج لتوسعة المناطق البحرية والشاطئية المحمية من خلال الاستئناس بالهدف العالمي والمتوسطي الهادف الى بلوغ 30 بالمئة في غضون 2030 وذلك بدعم من الصندوق الاستئماني للمناطق البحرية المحمية في البحر المتوسط MedFund، تؤمن تونس التصرف المندمج في 05 مناطق بحرية و ساحلية محمية وهي جالطة وزمبرا - زمبرتة، وقوريا والكنايس وقرقنة. وقد تم توقيع اتفاقيات الإدارة المشتركة مع المستفيدين (وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي والجمعيات) بمبلغ يقارب 5 مليون دينار على مدى خمس سنوات.
الاجراء عدد 27:
اعداد وتنفيذ برنامج استصلاح الأراضي المتدهورة في اطار مخطط العمل الوطني لمكافحة التصحر في صيغته المحينة، لهذا الغرض تم تحديد هدف وطني لاستصلاح حوالي 2,2مليون هكتار في موفى سنة 2030.
مع العلم أن مساحة للأراضي المتدهورة على المستوى الدولي تقدر بـ 12 مليون هكتار سنويا.
يغطي برنامج العمل الوطني لمكافحة التصحر التدخلات القطاعية لمختلف الجهات الفاعلة ضمن استراتيجياتها (استراتيجية إعادة التشجير الغابي والرعوي، واستراتيجية الحفاظ على التربة وتنمية الأراضي، ...)
تونس منخرطة في المجهود الدولي الرامي الى استصلاح حوالي 12 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة كل سنة استنادا على جملة من التدخلات الهادفة الى تحقيق حياد تدهور الأراضي بغية الاسهام في تحقيق اهداف التنمية المستدامة,
وقد مكننا هذا التوجه من تمويل جملة من المشاريع أهمها، مشروع إعادة بناء منظومة الصنوبر الحلبي بالقصرين (مشروع الصندوق العالمي للبيئة : 3 مليون دينار)
ومنظومة الحوض المائي لإشكل (مشروع الصندوق العالمي للبيئة : 2 مليون دينار) ومشروع الواحات (مشروع الصندوق العالمي للبيئة : 4 مليون دينار) إلى جانب مشاريع دعم القدرات والمتابعة والتقييم بالتعاون مع كل من مرصد الصحراء والساحل والصندوق العالمي للطبيعة ومنظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية وغيرها من شركاء التنمية والاتحاد الدولي لصون الطبيعة
كما تجدر الإشارة الى ان عديد الإجراءات الأخرى المنضوية تحت الاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي يمكنها المساهمة في مجال استصلاح الأراضي على غرار الاجراء عدد 31 والمتعلق بالاستراتيجية الوطنية للتصرف الدائري الشامل والمندمج في النفايات، والذي يضم البرنامج الوطني لإعادة استعمال المياه المعالجة وتعميم التسميد العضوي في المجال الفلاحي طبقا للمواصفات التونسية NT10 ,44
والمتعلقة بالتعديل العضوي وذلك بمساهمة كافة الهياكل المعنية وفي مقدمتها وزارات الداخلية والفلاحة والسياحة التي تولت سنة 2009 اصدار منشور لتشجيع المنشات السياحية على اعتماد تسميد النفايات الخضراء,
وفي سياق متصل، تشجع وزارة البيئة على اعتماد تكنولوجيات متطورة وحديثة في معالجة وتثمين النفايات العضوية حيث قام مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة بإنجاز مشروع نموذجي بولاية المهدية قائم على تقنية التسميد بالديدان خلال شهر ماي 2023 , كما تم تركيز عدد من المراكز البلدية للتسميد بدعم من الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات على مستوى عدد من الولايات منذ سنة 2013 على غرار مدين صفاقس بالتعاون مع سوق الجملة,
كما تم بتاريخ 10 نوفمبر 2023 اصدار منشور مشترك بين وزارات البيئة والصحة والفلاحة والموارد المائية والصيد البحري لتشجيع المندوبيات الجهوية للتنمية الفلاحية للترخيص للفلاحين باستعمال المياه المستعملة المعالجة في الزراعات العلفية والأشجار المثمرة علما وانه توجد بتونس حوالى 130 محطة تطهير منها حوالي 30 مجهزة بتكنولوجيات المعالجة الثلاثية التي تمكن من انتاج مياه معالجة خالية من الاخطار وصالحة للاستعمال الفلاحي ,كل محطات التطهير المبرمجة وبرامج إعادة تأهيل المحطات القديمة ستعتمد ,وجوبيا, على هذا النوع من التكنولوجيا وذلك اعتمادا على ميزانية الدولة وبدعم من الشركاء الفنيين والماليين.
تم بتاريخ 11 أكتوبر 2022 ابرام اتفاقية لتثمين المياه المعالجة بمحطة التطهير بتاكلسة من ولاية نابل لاستغلالها في مجال إنتاج الأعلاف.
تم بتاريخ 31 جانفي 2024 إبرام اتفاقية قرض بقيمة 81,9 مليون أورو، أي حوالي 276 مليون دينار، مع البنك الإفريقي للتنمية لتنفيذ مشروع يتعلق بتحسين جودة المياه المعالجة بعدد 19 محطة تطهير سيتم تجهيزها بمنظومات المعالجة الثلاثية.
ان المهمة الموكولة الينا جسيمة وتتطلب انخراطا فعالا لجميع المتدخلين في كل القطاعات. ولى كل مواطن ومواطنة الوعي بنتائج سلوكياته وممارساته اليومية مهما كانت بسيطة على البيئة سواءا بتقليص الاستهلاك الطاقي، الحد من استعمال البلاستيك ذو الاستعمال الوحيد، ودعم المبادرات المحلية في مجال حماية التنوع البيولوجي... فلكل منا دور يلعبه لبناء مستقبل اكثر احتراما للبيئة.
الى جانب ذلك، يجب علينا تكثيف جهودنا في مجال توعية وتربية الناشئة حول أهمية المحافظة على البيئة عبر تنظيم دورات تكوينية حول الاستدامة البيئية لفائدة صغار السن مع الحرص على مزيد تشريك هذه الفئات كأطراف فاعلة بغية الاسهام في المحافظة على كوكب الأرض.
وهذا ما تم التنصيص عليه بالإجراءات الثمانية المدرجة ضمن المحور الخامس للاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي من الاجراء عدد 46 الى 53 والذي انبنى على تنمية الثقافة البيئية والعلوم والمعارف وكفاءة الموارد البشرية في مجالات حماية البيئة والتنمية المستدامة وتعميمها على مختلف القطاعات.
وقد مثل الاحتفال باليوم الوطني والعالمي للبيئة فرصة لتكثيف انشطتنا ولتعزيز شراكاتنا في سبيل دعم أسس التربية البيئية عبر إنتاج "دليل التربية البيئية للطفولة المبكرة بالشراكة مع وزارة الاسرة والمرأة والطفولة وكبار السن وإطلاق مبادرة دور ثقافة صديقة للبيئة بالشراكة مع وزارة الشؤون الثقافية وتنفيذ مشرع التربية البيئية من أجل متوسط مستدام EdenMed الهادف إلى إدراج التربية البيئية في المنهاج المدرسي بالشراكة مع وزارتي التربية والتعليم العالي والبحث العلمي وفي حقيقة الامر، تسلط وزارة البيئة الضوء على التوعية والتحسيس كمحرك أساسي لجميع الاستراتيجيات والحملات التوعوية عبر مبادرة سنة النظافة 2022 و2023 و2024 والتي تم اطلاقها هذه السنة تحت شعار "مدننا العتيقة بدون بلاستيك". وقد تخللتها عدة أنشطة بعدد من المدن التونسية والتي تم توثيقها عبر المنصة الالكترونية الخاصة بوزارة البيئة (مدن تونس، صفاقس، نابل، باجة، الكاف، تطاوين، القيروان، زغوان...
وتثمينا لهذا العمل الجماعي، تم إدراج الرقمنة كإجراء أفقي للمرافقة في تنفيذ المحاور الخمس للاستراتيجية الوطنية للانتقال الايكولوجي ومواصلة تنفيذ المشاريع الرقمية بهدف تعزيز الثقة بين وزارة البيئة والمتعاملين معها من مواطنين ومؤسسات وإدارات من خلال تركيز نظم فتح وتبادل شفافة للمعلومات البيئية ورقمنة الخدمات المسداة وكذلك تحسين إطار العمل داخل وبين مصالح الوزارة, وبهذه المناسبة ,ادعوكم للاطلاع على تطبيقة بيئة كليك التي تمكن من تسجيل الاخلالات البيئية وما تم اتخاذه من إجراءات في شانها .ويمكن تحميل هذه التطبيقة من موقع واب الوزارة.
السيدات والسادة
استغل هذه المناسبة للتذكير بأهمية العمل الجماعي حيث ان حماية البيئة تعتبر مسؤولية مشتركة من واجبنا تقاسم اعباءها قصد تحسين ظروف العيش وتحقيق الرفاه الإنساني وبناء عالم أفضل لكل ابناءنا.
فلنلتزم جميعنا من هنا فصاعدا لاتخاذ تدابير حقيقية وملموسة لحماية بيئتنا والعمل مع بعضنا البعض يدا بيد لبناء مستقبل مستدام للجميع ضمانا لحقنا في بيئة سليمة كما ينص عليه الدستور.
