انطلقت منذ يوم السبت الماضي 1 جانفي 2022 العملية البيضاء للاستشارة الالكترونية الشعبية التي اذن رئيس الجمهورية قيس سعيد بتنظيمها ضمن روزنامة من الاجراءات لانهاء المرحلة الاستثنائية قبل أن تفتح باب المشاركة للعموم يوم 15 جانفي 2022 تنفيذا للقرارات المتخذة يوم 13 ديسمبر 2021 وذلك وسط عدة انتقادات من مختلف الاطراف السياسية المعارضة والتي اعتبرتها "تنفيذا لبنود الأجندة الخاصة للرئيس قيس سعيّد بالاعتماد على إمكانيات الدولة"
وقد دعت مكونات سياسية إلى مقاطعة الاستشارة، معتبرة انها "غير شفافة ومن شأنها الالتفاف على إرادة التونسيين" فضلا عن دعوات من قبل مكونات المجتمع المدني على غرار منظمة "أنا يقظ"
وفي هذا الاطار قال استاذ القانون الدستوري عبد الرزاق المختار في تصريح لـ"آخر خبر أونلاين" اليوم الاثنين 3 جانفي 2021 ان مسالة الاستشارة في حد ذاتها تطرح عدة تساؤلات حول المسار والمشاركة خاصة في ظل مسار مقدّم بشكل انفرادي دون تشاركية مع الطيف السياسي اضافة الى غياب رؤية ضمن التشاركية ما يحيل على امكانيات تنازعية واضحة المعالم من الطيف السياسي
واضاف المختار ان الاصل في عمليات الاستشارة وما يتبعها هو الوضوح من ناحية شبكة الاسئلة التي من الضروري ان تكون واضحة لاعتمادها ليس لتوجيه الراي العام ملاحظا ان المشكل الرئيسي هو موضوع الاشراف على الاستشارة وحتى يكون هناك معنى في اسئلتها واهدافها ورؤيتها من الضروري ان تكون بعيدة عن الجهة المعنية بالاستشارة
ولفت الى ان الاستشارة لا تشرف عليها اية هيئة من الهيئات المعروفة باستقلاليتها وهي بالطبع معدة من المعني بالاستشارة وهو ما يثير عديد الشكوك حولها معتبرا ان الاستشارة في المطلق قد تكون محمودة ولكنها في المعنى السياسي قد تتحول الى كلمة حق يراد بها باطل (مدى الزاميتها ومدى اتساعها لتشمل باقية الوسائط الاخرى) خاصة انه ليس هناك اي انفتاح على بقية الوسائط
واعتبر انها محاولة لتوجيه وصناعة راي اكثر منها محاولة للتعرف على الراي العام قائلا "هذا لا يعني ان تتحول الى فعل ايجابي اذا تم الاتجاه في الانفتاح على الاخر وعلى الاطياف المدنية الاخرى من الطيف السياسي ولم يتم وضع الجميع امام خيار محدد بالذات وموضوعا سلفا"
ولفت الى هناك نوع من البرود من المتلقي..معتبرا ان هناك "بحث عن بصيص امل في المكان الغير المناسب"...
من جهته عبر الناطق الرسمي باسم حزب التيار الشعبي محسن النابتي عن دعم حزبه للاستشارة الالكترونية وللحوار الشعبي المفتوح والمباشر معتبرا ان الاستمارة ضرورية ولكنها غير كافية وليست بديلا للحوار
واشار النابتي الى ان الاستشارة الالكترونية ستطال شرائح مهمة في المجتمع التي تتعامل مع الوسائط الالكترونية وهي فرصة ليعبروا عن ارائهم على نطاق واسع في ما يتعلق بجملة القضايا المطروحة سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية اوثقافية مع ضرورة توفر شرط الحيادية
ولفت الى ان التيار يدعو الشعب الى التعبير عن رايه وتوجهاته بشكل مباشر ملاحظا في المقابل ان رئيس الجمهورية في 13 ديسمبر الماضي كان تحدث عن المنصة الالكترونية وعن الحوار الشعبي المباشر في المعتمديات والولايات سواء مركزيا او محليا مبينا ان ذلك اهم من الاستمارة باعتبار ان الحوار مسالة جوهرية ويمكن للنخب ان تعبر عن آرائها شريطة ان تكون واضحة من قبل الجهة التي ستشرف على الحوار..
واكد ضرورة ان يطال الحوار كافة الجهات عبر تجند الدولة لذلك مع توضيح الرؤية بشان الجهة التي ستشرف على الحوار مبرزا انهم مع الحوار المفتوح وضد الريع السياسي الذي يقرر عوضا عن الشعب التونسي ويعقد الصفقات تحت شعارات معروفة
وشدد على انهم يدعمون الاستشارة مادامت تتعلق بحوار مباشر مع الشعب التونسي من مختلف الاطياف ومن مختلف الاختصاصات وكافة الفئات المعنية
وفي ذات السياق، اعتبرت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي في تصريحات اعلامية مختلفة أن الاستشارة الالكترونية تفتقد الى المصداقية والشفافية والديمقراطية مشيرة الى ان انطلاقها كان متعثرا
وتابعت بالقول في تصريح لاذاعة "موزاييك" "كما ان انطلاقها كان متعثرا فبعد ان اعلن رئيس سلطة تصرف الاعمال وفق توصيفها ان انطلاق الاستشارة سيكون بداية من غرة جانفي 2022 الا ان ذلك تعثر يوم امس ولم تقم رئاسة الحكومة او وزارة تكنولوجيات الاتصال او وزارة الشباب والرياضة بالاعلان عن تاجيل انطلاق عمل المنصة للعموم مقابل علم مواطنين وصفتهم بانهم درجة اولى وفوق العادة بفتح دور الشباب امامهم للقيام بعمليات بيضاء في هذه الاستشارة لا احد يعلم محتواها"
واضافت عبير موسي ان الاسئلة تقوم بها اجهزة الدولة وان الاجوبة تلتقطها كذلك اجهزة الدولة وخلصت الى القول ان ما يقوم به رئيس الدولة لا وجه قانوني له ولذلك وجه الحزب الدستوري الحر عدل تنفيذ لكل اعضاء الحكومة ولوزارة تكنولوجيات الاتصال للتنبيه عليهم من ان ما يجري هو استعمال للمال العام لتحقيق مشروع سياسي وان الحزب سيقاضيهم على هذه الافعال.
كما اعتبر الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي غازي الشواشي في تدوينة نشرها أمس الأحد على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"، أن الشعب التونسي يتعرض لعملية تحيل جديدة تحت مسمى "الاستشارة الالكترونية" التي أطلقها رئيس الجمهورية.
وقال الشواشي " رئيس السلطة القائمة يريد من خلال هذه الاستشارة اضفاء شرعية على مشروعه الهلامي و اللاديمقراطي باستعمال موارد الدولة البشرية و المالية و خارج أي إطار دستوري أو قانوني يخول له ذلك."
وشدد الشواشي "هيهات طارت "التخميرة" و اكتشف الشعب بكل فئاته الواعية خطورة هذا المشروع الطوبائي الذي أصبح يهدد أمن و استقرار البلاد و مكتسباته و تجربته الديمقراطية."
في ذات السياق استنكرت منظمة "أنا يقظ" مسار اعداد المنصّة الإلكترونية للاستشارة الوطنيّة مطالبة وزارة التكنولوجيا بتمكينها من القيام بعمليّة تفقد مستقلة للتثبت من السلامة المعلوماتيّة للمنصّة ومدى احترام المعطيات الشخصية للمشاركين فيها، وفق بيان صادر عنها
واعتبرت المنظمة أن وزارة التكنولوجيا "تخاذلت" ولم تحترم آجال إطلاق الاستشارة في موعدها المحدد، اليوم 1 جانفي 2022، مشيرة إلى الانطلاق في القيام "بعمليات بيضاء" بدور الشباب على أن تنطلق المشاركة للعموم بداية من تاريخ 15 جانفي 2022 خلافا لما أعلن عنه رئيس الدولة.
وطالبت رئاسة الحكومة بالسماح لمنظمّة أنا يقظ بالمشاركة في "العمليات البيضاء" كسائر الجمعيات الأخرى التي تم اختيارها معربة عن استنكارها من تمكين صاحب شركة ناشئة تنشط في مجال التكنولوجيات عقيل النقاطي في إعداد المنصّة دون طلب عروض.
واستهجنت غياب التشاركيّة وانعدام الشفافيّة في إعداد الأسئلة والمحاور المضمنة في البوابة الإلكترونيّة معتبرة أن الأسئلة كائنا ما ستكون هي محاولة لتوجيه إرادة الشعب والحدّ من حقه في تقرير مصيره من قبل "من أعدّها" مسبقاً.
كما دعت حملة "مواطنون ضد الانقلاب"، التي يخوض أعضاؤها إضراب جوع منذ 11 يوما رفضا لقرارات الرئيس قيس سعيد، إلى مقاطعة الاستشارة الإلكترونية واصفة اياها بأنها "غير شرعية وغير شفافة وتنطوي على تحيّل على الدستور"، وأنها "لا يمكن أن تعكس إرادة الشعب"، خاصة وأنها تخضع إلى رقابة وإشراف السلطة تقنيا ومضمونيا.
قال عضو حملة "مواطنون ضد الانقلاب" عز الدين الحزقي في تصريح اعلامي ، إن هذه الاستشارة هي عبارة عن شعوذة الكترونية لا تستقيم لا شكلا ولا مضمونا.
ودعا الحزقي المواطنين إلى عدم المشاركة في الاستشارة الإلكترونية التي قال إنها أظهرت بوادر فشل منذ البداية، بعد أن عجز الرئيس عن الإيفاء بمواعيده عندما أكد أنها ستنطلق في غرة جانفي الحالي.
وشدد الحزقي على أن "الشعب يُعبّر عن إرادته بطريقة واحدة وهي صناديق الاقتراع التي أفرزت مجالس برلمانية ومحلية وليس عن طريق الاستشارات الإلكترونية التي لا تتوفر فيها أدنى معايير الشفافية"، مشيرا إلى أن رئيس الجمهورية يتعمد الهروب من صناديق الاقتراع لأنه يعي جيدا حجمه الانتخابي تراجع منذ أن أعلن عن التدابير الإستثنائية ورمى بالدستور.
ويندرج تنظيم هذه الاستشارة في إطار صياغة تصوّر جديد يُمكّن الشعب التونسي صاحب السيادة من التعبير عن إرادته بكلّ حرية.وتتواصل هذه الاستشارة التي تتم بواسطة منصة إلكترونية تفتح للعموم إلى غاية 20 مارس القادم. كما سيتمّ إثر ذلك تقديم التقرير الأوّلى لتأليف مخرجات هذه الاستشارة.
ويتطلّب الدخول الى موقع المنصة، الحصول على رقم سري صالح لفترة قصيرة يتمّ تلقيه عبر رسالة نصية ترسل للمشارك بعد تشغيله لخدمة # 1712 * متبوعة برقم بطاقة التعريف الوطنية، وذلك لضمان المشاركة الفردية وخصوصيتها مع حفظ هوية كل مشارك، وحرية إجابته على الأسئلة، بشكل اختياري .
ووفق ما صرح به وزير تكنولوجيات الاتصال نزار ناجي في تقديم هذه الاستشارة خلال اجتماع مجلس وزاري يوم الأربعاء الماضي خُصّص للوقوف على مدى تقدّم التحضيرات الجارية لإطلاق هذه المنصة الإلكترونية، فقد تم تأمين هذه المنصة من كل تدخل او محاولات للانحراف بها عن مقاصدها الاصلية، مشيرا الى انه في إطار ضمان شفافية وخصوصية المشاركة ،يتم بعد 3 اشهرفسخ الأرقام السرية التي عبر بها المشارك للبوابة ، والإبقاء فقط على الآراء.
واضاف الوزير ان المنصّة الالكترونية مفتوحة لجميع المواطنين في الداخل والخارج. كما تتضمن 6 محاور تتعلق أساسا بالشأن "الانتخابي والسياسي" و "الاقتصادي والمالي" و"التنمية والانتقال الرقمي" و"الاجتماعي" و"الصحة" و"التعليمي والثقافي".
وبين في نفس الاطار ان كل محور من المحاور الستة لهذه الاستشارة تتضمن 5 اسئلة إضافة الى مساحة للتعبير الحر حول المواضيع التي لم يقع التطرّق إليها، الى جانب حرية اختيار التفاعل مع المحاور التي تهم المشارك وعدم إلزامية المشاركة في كل المحاور.
وقد اكد رئيس الجمهورية قيس سعيّد خلال مجلس وزاري سابق، على أهمية توفير كلّ الضمانات التقنية حتى تكون هذه المنصّة الإلكترونية إطارا تفاعليا مؤمّنا يُمكّن من رصد مقترحات المواطنات والمواطنين في الداخل وفي الخارج، وتشريكهم في صياغة مقترحات في مجالات مختلفة ليتم تأليفها لاحقا، والشروع بعد ذلك، في تنفيذ باقي المحطات التي تقبل عليها تونس خلال سنة 2022.
وقال إنّ "تنظيم هذه الاستشارة يندرج في إطار صياغة تصوّر جديد يُمكّن الشعب التونسي، صاحب السّيادة، من التعبير عن إرادته بكلّ حرية".
يذكر أنّ رئيس الجمهورية قيس سعيّد كان أعلن في 13 ديسمبر 2021 ،عن تنظيم استفتاء إلكتروني أو استشارة شعبية تنطلق يوم غرة جانفي 2022 وتتواصل الى 20 مارس ،تتبعها عملية تأليف لمختلف آراء المشاركين في هذه الاستشارة، وذلك لتجسيد المقترحات في نصوص قانونية من قبل لجنة، على أن ينظم استفتاء حول الاصلاحات الدستورية والقانونية والقانون الانتخابي في 25 جويلية 2022 تليها انتخابات تشريعية يوم 17 ديسمبر من نفس السنة.