اقتصاد

 أسباب تحوّل توقعات النمو الاقتصادي لليابان إلى التشاؤم

أسباب تحوّل توقعات النمو الاقتصادي لليابان إلى التشاؤم

06 اكتوبر 2024 10:00
سادت التوقعات الإيجابية بشأن الآفاق الاقتصادية لليابان في نهاية العام الماضي. وكان ذلك دليلاً ملحوظاً على الثقة التي تحظى بها اليابان بالنظر إلى السياق الخارجي الأقل إيجابية المتمثل في تباطؤ الاقتصاد العالمي والذي أصبح عاملاً معيقاً لهذا البلد الذي يعتبر ثالث أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة والصين. 
 
يعد الاستطلاع الخاص بإجماع توقعات بلومبرغ أداة مفيدة لتتبع وجهات النظر المتغيرة حول تطورات الاقتصاد الكلي الرئيسية.
 
 يسجل هذا الاستطلاع القياسي توقعات المحللين ومراكز الفكر وبيوت الأبحاث. في نهاية العام الماضي، أظهر الإجماع أن الوتيرة المتوقعة لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليابان بلغت 0.95% لعام 2024، وذلك أعلى بشكل مشجع من المتوسط ​​السنوي الذي بلغ 0.75% منذ عام 2000. ومع ذلك، بدأ هذا التفاؤل الأولي في التدهور مع تغير المعنويات جراء الزلزال الذي ضرب هذا البلد الآسيوي في يوم رأس السنة الميلادية، وما تبعه من علامات على تراجع النشاط الاقتصادي في المؤشرات الرئيسية.
 
 
 
 
 
وفي الربع الثاني من عام 2024، كان الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لليابان أعلى بنسبة 0.1% فقط من الذروة التي بلغها قبل الجائحة في الربع الثالث من عام 2019، مما يعني ضمناً أن الاقتصاد لم يتقدم إلا بشكل طفيف على مدى السنوات الخمس الماضية. وبحلول سبتمبر، انخفضت توقعات النمو لهذا العام إلى 0.05% فقط. في هذا المقال، نناقش ثلاثة عوامل رئيسية تفسر التحول الكبير في توقعات نمو الاقتصاد الياباني.
 
أولاً، لا يزال ركود الاستهلاك يشكل عائقاً كبيراً أمام النمو الاقتصادي. يمثل الاستهلاك ما يقرب من 60% من الاقتصاد الياباني، وبالتالي فهو عامل رئيسي في تحديد أدائه. وعلى الرغم من التعافي القوي بعد جائحة كوفيد، إلا أن الاستهلاك شهد انخفاضاً متواصلاً على أساس سنوي منذ ديسمبر من العام الماضي. علاوة على ذلك، ظل متوسط ​​الاستهلاك في العام الحالي أقل ​​بنسبة 4.5% من المتوسط ​​السائد قبل الجائحة خلال الفترة 2018-2019، وأقل بنسبة 0.4% من المستوى المسجل في عام 2023.
 
 
 
يكمن السبب الرئيسي وراء ضعف نمو الاستهلاك في ارتفاع معدلات التضخم الذي أدى إلى تآكل القوة الشرائية للرواتب، مما أثر على نفقات الأسر. في يوليو، نمت مداخيل العمال المعدلة حسب التضخم بنسبة 0.4% على أساس سنوي، لكن هذا لا يمثل سوى انفراجاً بسيطاً بعد فترة طويلة من معدلات النمو السلبية، وأرباح حقيقية لا تزال أقل بنسبة 2% من الذروة في عام 2022. إلى جانب ذلك، فإن مشكلة شيخوخة السكان تفاقم العوامل السلبية التي تؤثر على الاستهلاك. يُعتبر المستهلكون اليابانيون الأكبر سناً أكثر تحفظاً في إنفاقهم مقارنة بالأجيال الأصغر سناً، ويميلون إلى إعطاء الأولوية للادخار، نظراً لاعتمادهم على دخل التقاعد ولكون الجزء الأكبر من نفقاتهم يذهب إلى الضروريات مثل الرعاية الصحية. ونظراً لأهمية الاستهلاك، فإن هذه الاتجاهات السلبية تؤثر على أداء الاقتصاد الياباني.
 
ثانياً، يشير تراجع الطلب الخارجي إلى ضعف دعمه لنمو الاقتصاد الياباني الذي يعتبر مندمجاً إلى حد كبير مع الاقتصاد العالمي. وتستمر السياسات الحمائية والحواجز التجارية في التراكم بشكل مطرد على نطاق عالمي وسط تزايد التوترات الجيوسياسية. بالإضافة إلى ذلك، مع نهاية جائحة كوفيد، بدأت أنماط الاستهلاك عملية تطبيع نحو الخدمات والابتعاد عن السلع، مما أدى إلى ركود مستمر في قطاع التصنيع العالمي. وفي هذا السياق، من المتوقع أن يبلغ نمو التجارة العالمية هذا العام 2-3%، وهو ما يقرب من نصف المعدل المتوسط ​​خلال الفترة 2000-2022. وتزيد هذه التوقعات بشأن التجارة من حالة التشاؤم حول الاقتصاد الياباني، حيث تمثل الصادرات 20% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي محرك رئيسي للإنتاج الصناعي. حتى الآن هذا العام، انخفضت الصادرات اليابانية المعدلة بالتغيرات في الأسعار بنسبة 1% مقارنة بالعام الماضي. ونظراً لأهميتها بالنسبة لليابان، فإن تباطؤ نمو التجارة العالمية يمثل رياحاً معاكسة كبيرة لأدائها الاقتصادي.
 
ثالثاً، يعيق انخفاض معدلات الاستثمار الناتج المحلي الإجمالي لليابان، حيث تظل الشركات حذرة في الالتزام بالإنفاق الرأسمالي في ظل عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي العالمي وضعف الطلب المحلي. بالإضافة إلى تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي، فإن شيخوخة السكان ونقص العمالة في اليابان يحُدان بشكل أكبر من إمكانية تحقيق عوائد مرتفعة على الاستثمار، مما يضعف التوسع الاقتصادي الإجمالي. انخفضت مستويات الاستثمار بنسبة 0.4% في الربع الأول من عام 2024 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. ونظراً لكون الاستثمار يمثل 25% من الاقتصاد الياباني، فإن الإنفاق الرأسمالي المخيب للآمال يقيد وتيرة النمو الاقتصادي.
 
في المجمل، نتوقع أن يظل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في اليابان دون تغيير هذا العام وسط توقعات صعبة تتمثل في ركود الاستهلاك وضعف الطلب الخارجي وانخفاض الاستثمار.

فريق QNB الاقتصادي

بيرنابي لوبيز مارتن*
مدير أول – قسم الاقتصاد
لويز بينتو
نائب رئيس مساعد – قسم الاقتصاد
06 اكتوبر 2024 10:00

المزيد

تونس تشارك في مؤتمر الإستثمار العالمي بالرياض

 بدعوة من وزير الإستثمار السعودي السيد خالد بن عبد العزيز الفالح، يشارك وزيرالإقتصاد والتخطيط السيد سمير عبد الحفيظ في اشغال مؤتمر الإستثمار العالمي في دورته 28 ...

24 نوفمبر 2024 13:30

هل ستتزايد تدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة؟

على الرغم من التقلبات المستمرة، كان العام الحالي إيجابياً بالنسبة لتدفقات رؤوس الأموال إلى الأسواق الناشئة. وقد كان هذا الأمر مرتقباً بالنظر إلى دورة التيسير ...

24 نوفمبر 2024 10:00

 متابعة مستجدّات التّزويد والأسعار وآليّات المراقبة وتنظيم مسالك التّوزيع ومزيد إحكام التّنسيق بين المصالح الأمنيّة والرقابيّة

في إطار تجسيم توصيات سيادة رئيس الجمهوريّة بضرورة تواصل العمليّات الرقابيّة بصفة مستمرّة على مدار أيام السّنة للقضاء على كل مظاهر المضاربة والاحتكار والتّرفيع في ...

22 نوفمبر 2024 10:20

وزير التجارة وتنمية الصادرات يلتقي سفير روسيا بتونس

 شهد اللقاء الذي جمع، صباح أمس الأربعاء 20 نوفمبر 2024، وزير التجارة وتنمية الصادرات السيّد سمير عبيد وسفير روسيا الاتّحادية بتونس السيّد ألكسندر زولوتوف، ...

21 نوفمبر 2024 10:00

وزير الإقتصاد ورئيس منظمة CONECT يؤكدان على تكامل الأدوار بين القطاعين العام والخاص في دفع التنمية الإقتصادية والاجتماعية

اجتمع وزير الإقتصاد والتخطيط السيد سمير عبد الحفيظ بعد ظهر الإربعاء 20 نوفمبر 2024 بالسيد أصلان بن رجب رئيس منظمة كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية CONECT.   وكان ...

21 نوفمبر 2024 09:30